تجنب أن ينظر اليها فلم يجد مفر سوى أن يثبت عيناه نحو شاشة التليفزيون محاولاً إيهامها بأنه يتابع بأهتمام ما يُبث الأن علي الشاشة ، وتسأل فيما بينه وبين نفسه
- لابد أنها ستشتكي من المصاريف وغُلو الأسعار كما أعتادت أن تفعل كل يوم ولابد أنها ستسألني “لماذا لا تبحث عن عمل إضافي ؟” وستتبع سؤالها “لم يتبقى سوى عام واحد علي دخول إبنتك الجامعة وأن تعرف أكثر مني كم يتطلب دخول الجامعة من مصاريف !!” وسأجيب عليها
- حاولت كثيراً ، توسلت إلى كل من أعرف ومن لا أعرف ، لا يوجد عمل ، وحين أُخبرهم بأني “موظف حكومة” ولست بصاحب حرفه يعتذرون إلي بصور أغلبها لائقة !
وستألني
- ولماذ أخبرتهم بأنك موظف؟!
- لأنني لا أحب الكذب
- ولكن الكذب أهون مما نحن فيه
وسأندفع لأخبرها
- لن نموت من جوع ، ستتحسن الأمور قريباً بأذن الله
ولكنها لن تصغى إلى ما أقوله ، فهى مشغولة بتجهيز قذيفتها التاليه وستسأل فى شيء من التردد
- هل تحدثت إلى أبن عمي لعله يساعدك في إيجاد وظيفه؟!
سأتمالك نفسي وأكظم غيظي وسأسيطر على إنفعالى وسأقول بكل هدوء
- أجل تحدثت إليه ، وهو أيضاً قال لي بأنه سيعاود الأتصال بي حين يجد وظيفه أضافيه تناسبني!
وعاد يحدث نفسه
“لن أترك الغرفة الأن فيجب أن أبقي دقيقتين علي الأقل قبل أن أتحرك وأفتعل أنني أبحث عن شيء ما في المنزل أو أقوم لعمل أي شيء حتي لا تقول أنني تركت الغرفه نتيجه سؤالها هذا أو نتيجة كراهيتي لأحاديث المصاريف والأسعار وهموم الجامعه و…و…
أتعجب حين أنظر إليها وأشعر أحياناً بالتيه والحيرة ، أين تلك الفتاه التي أحببتها ؟ كيف تحولت إلى تلك المرأة التي أراها الأن أمامي ، أعلم بأن الحياه قد تقسو أحياناً علي الجميع ولكن ما الذي حدث ؟ كيف صارت إلى ما هي عليه الأن ؟ غاب الجمال عنها وأستبدل الزمان بسمتها بتجاعيد عرفت مكانها فوق وجهها ، لا أذكر إني قد لاحظت كل تلك التجاعيد من قبل، هل كنت في غفلة ؟ فلم ألحظ كل تلك التغيرات ؟
حتي حديثها معي إمتلأ بالشكوي والمشكلات و التي ربما أعرف بعضها والبعض الأخر جديد عليّ، أشعر بالهم والثقل من الحديث ولكني أشعر بالأشفاق عليها أيضاً ، هل أكون أنا سبب كل ما حدث لها ؟! ليس هناك حياة تخلو من الصعاب هذا ما أُؤمن به !
فهل الحياة معي بمتاعبي ومشكلاتي الماديه هي سبب تحولها ، أذكر أن الأمل والأحلام وتحدي الأيام هو كل ما كان يملأ عقل وروح فتاتي التي لا لم أراها الأن!
آه من الأيام ومن الزمان ..
لابد أن أترك الغرفه الأن قبل أن تأتي إبنتي وتسألني هي الأخري عن الجامعه وما ستحتاجه ….
لن أخبرها بمشكلنا المالية فلا ذنب لها !
أؤمن بأن الأمور قريباً ستتحسن بأذن الله .!!
……………………………………………………………………………………
كانت الزوجه تجلس هي الأخرى فوق مقعد يواجه شاشة التليفزيون وقد وضعت “مصفاة ” مصنوعة من ألومنيوم وممتلئة بثمار “الباذنجان” وأخذت في تقشيرها وإزاله قشرتها السوداء و تقطيعها إلى شرائح سميكه بطريقة آليه وقد ركزت عيناها الي ثمار الباذنجان ولم تنظر الي التليفزيون ….
ثم أخذت تتحدث فيما بينها وبين نفسها
- سأتجنب الحديث معه عن حاجتنا إلى المال ، ورغبتى في أن يبحث بجدية عن عمل أضافى له ، يبدو أنه مشغول بمشاهده التليفزيون لطالما أشفقت عليه مما هو فيه ! ، لن أفسد عليه جِلسته بالحديث ثانية عن ظروف الحياة ومصروفات البيت ، ولكن ما عسانا أن نفعل والأيام تتسارع وستصل بأبنتنا إلى الجامعة ولن يكون معنا من مال ساعتها !!
وأذا سأسأله عن العمل سيجيب
- لم أَجِد عمل ملائم !
- أبحث عن أي عمل ؟ فنحن في حاجه الي المال
وسيجيب
- بحثت ولم أَجِد شيئاً (وربما يكمل ) أرجو أن تعلمي أني لا أدخر جهداً في البحث عن عمل، فما عساي أن أفعل ؟! أتركي هذا الأمر لي وسأقترض بعض المال !
وسأجيب
- لن نجد من يقرضنا !
- لما تغلقين كل الأبواب أمامي ، أكاد أقسم أنك تتشفين في مصائبنا !
- انا لا أغلق أبواب ، إنما أتحدث عن الواقع
أعلم أنه سينهض وينصرف خارجاً ويتركني وحدي
ولكني لن أتركه يمضى هكذا
- إنصرافك لن يحل المشكلة !
- أتركيني أنصرف وإلا لن تري وجهي مرة أخرى
لا أدري كيف أصبح زوجي ذلك الرجل الذي أعيش معه ، لقد أحببت شاباً يملؤه الطموح والعزيمة ، أذكر أنه كان يتحدي الواقع وكله أمل وحياه أما الان فأري رجلاً يملؤه اليأس والهوان
توجهت الزوجه الي المطبخ وهي تحمل المصفاة والزوج قد توجه هو الأخر الي غرفه النوم ليستريح ولم يُسمع في البيت الا صوت شرائح الباذنجان وهي تُلقي في وعاء زيت يغلي..!!!
الجمهورية أونلاين
الخميس 21 نوفمبر 2019
Leave a Reply