المدينة

المدينة

رُحت أُطل من سمائي إلي المدينة وأتعجب كيف امتلأت بكل هؤلاء ؟ كيف وصلوا إلي هنا ؟ الكل يقف في مكانه كما تركته منذ شهور وسنوات كنت كمن ينظر إلى متحف شمع مفتوح ولم تبدو أي علامة من علامات الكَبَر علي أحدهم ، فهم جميعاً لا يعرفون العمر !

هناك امرأه تجلس في الطريق وتُمسك بغربال تضع فيه أكواماً من التراب ثم تبدأ في الغربلة !

و رجل فقير يدخل المسجد، أجل أذكره جيداً ، أعلم أنه يخفي قطعه نقود معدنية بيده !

وفتاه لا تزال كما هي ساحرة علي الرغم مما مضى من سنوات !

أسمع صوت الساعه تدق أنها العاشره صباحاً لابد أن الْيَوْمَ هو الجمعه فهذا هو صوت الشيخ “حسن” رحمه الله ينادي “يارب يا ساتر” ويدخل من باب البيت !

كنت أشعر بالملل فقررت أن أفر من عالمي هذا وأهبط الي ما أنشأته علي صفحات الورق من قرى ومدن أطوف بين طرقاتها و أتحدث إلى أصحاب القصص و الحكايات ، فأنا لا أعتقد بأن أحدهم سيمنعني أو سينشغل عني ، وما كدت أنعم بالتجول هناك حتي سمعت مَن يناديني

– أري في نفسك بعض من العجب ؟

عرفت صوته فهو “شيطان الكتابه” لم يتركني أهنأ ببعض الهدوء دون أن يُؤرقنى ويفسد علي وقتي ولم أجد سبيل للفرار منه فأجبته

– أشعر بالرضا فلقد إمتلأت المدينه !
– أتذكر صاحبه الغربال ؟
– أجل أذكرها ، كنت أراها كل يوم وأنا في طريقي الي العمل ، تجلس في مكانها تغربل التراب فأثار فضولي ما تفعله ، ظننت في أول الأمر بأنها أمرأه قد أصابها شيء من جنون فجلست تغربل التراب هناك ولكنى قد قررت الحديث معها وأخبرتني بما عندها من حكايات الزمان فقررت أن أكتب قصة قصيرة عنها تحمل ما تأثرت به نفسي من حديثي معها !
– والرجل الفقير في المسجد ؟
– صدقني لقد اقشعر جلدى وأنا أراه يتصدق بعملته المعدنية فربما تلك العملة هو كل ما يملكه ذلك الرجل فكتبت عنه هو أيضاً!

ثم صمت قليلاً قبل أن أكمل حديثي معه

-أعتقد أن شعور “الرحمة” هو ما دفعني لأكتب هاتين القصتين ؟

نظر شيطان الكتابة إلى وهو يسأل

– وما الذي دفعك أذاً لتكتب عن تلك الفتاة الجميله ؟ هل ألتقيت بها ؟
– صدقنى لم ألتقي بها يوماً !
– هل أوجدتها من خيالك ؟!
– لا ، بل سمعت قصة “فتاة” من صديق لي فرحت أتقمص شخصيتها ورحت أ…
– ماذا؟ تتقمص شخصيتها ؟!
– أجل ! أأنت من تسأل هذا السؤال ؟ أجل رحت أتقمص شخصيتها وأصور مشاعرها فخرجت قصه “زير النساء “! ، هكذا أحتاج الي تلك الشرارة التي تحرك في شيء ما وتدفعني دفعاً لأكتب !
أبتسم شيطاني بخبث وهو يلقي سؤاله
– وما هي الشرارة مع تلك الجميلة سيدي ؟
– “الحب” !
مرت لحظة من الصمت قبل أن أكمل

– عليّ أن أنصرف الأن ؟!

– ولكنك لم تخبرني عن ذلك الشيخ الذي يدخل بيت والدك صباح كل يوم جمعة ؟!

– “الشيخ حسن” أنا مدين لطفولتي بالكثير ، فلقد ألهمتني تلك الأيام بالكثير ! يجب أن أذهب الأن ؟ فأني أري إبنتي تنظر إلي الأن ببعض من “الضيق” فلقد أنشغلت عن اللعب معها بالحديث إليك (تاريخ اليوم أكتوبر -٢٠١٨)

– سؤال أخير ؟ رأيتك تكتب عن جندي يقاتل وتصف مشاعره بدقة وأنا أعرف جيداً أنك أبعد ما تكون عن ميادين الحروب وليس من بين أصدقائك من يعرف عن الحروب شىء فمن أين جاء الإلهام في تلك القصه ومن أين أتيت بكل تلك التفاصيل؟

– تقصد قصه “حضن الأرض” ؟

– أجل !

– ربما لا أحد ممن يقرأ تلك السطور الأن (إن ظهر ذلك المقال يوماً للنور ) قد قرأ تلك القصة ؟

– هذا لا يهم فأنا أسألك عن الإلهام وليس عن تفاصيل القصة، وربما أهتم أحدهم يوماً ليعرف كيف تُولّد تلك الشرارة!

– كنت اتابع نشرة الأخبار وكان فيها قصة مجموعة المصريين الذين ذُبحوا بدم بارد علي شواطيء ليبيا و كان من بينهم رجل ينظر إلى السماء في هدوء قبل أن يذبح فثارت نفسي لما رأيته من مناجاته لأهل السماء فخرجت قصه “حضن الأرض”
– لقد بكيت وانا اقرأ تلك القصه !
– وانا ايضاً والأن كف عن ثرثرتك هذه ودعني أعود الي عالمي ؟
– ماذا يلهمك أيضاً ؟
– الموسيقي ! إنها تنقلني لأحلق بروحي هاجراً الارض بما فيها وتفتح روحي علي عالم جديد يشرع فيه عقلي وقلبي في البناء والخلق ( إبنتي تسألني أن أترك الورق الأن وألعب معها !!) دعني الأن وسنلتقي قريباً أعدك بذلك ؟!
– وماذا أيضاً يلهمك؟
– الألم!
– حدثني عنه ؟!
– بل دعني أعود الي عالمي أرجوك ؟!
– أنا أعرف طباع إبنتك جيداً ولكننا سنكمل الحديث فيما بعد ، عد إليها الأن ولكن بكامل عقلك ؟!
– أرجو ذلك ….أراك قريباً
– أراك قريباً !

Leave a Reply

Your email address will not be published.