الغيرة أم الغرور ؟ (السؤال الثاني)

الغيرة أم الغرور ؟ (السؤال الثاني)

ربما لن تصدق عينيك وأنت تطالع مقال نشرته صحيفة القبس الكويتية في ديسمبر 1980 تحت عنوان
“يوسف إدريس يفتح النار علي الأدباء”
و هؤلاء الأدباء هم توفيق الحكيم وثروت أباظة وإبراهيم الورداني وضم إليهم أيضاً الأستاذ نجيب محفوظ،

وقبل أن نجيب علي هذا السؤال، دعونا نطرح أسئلة أخرى علي غرار هل هذه هي المرة الأولى أو الوحيدة التي يحدث فيها خلاف بين يوسف إدريس وبين بعض الأدباء ؟ هل كان يوسف إدريس يعتقد بأنه متفرد بإبداعه عمن سبقوه وعمن سيأتون من بعده ؟ وبعيداً عن إبداعاته وما أضافه للأدب العربي، هل كان يوسف إدريس شخصاً مندفعاً أو متهوراً ؟ هل هي الغيرة أم الغرور ؟

في عام 1980 أجرى يوسف إدريس حديثاً في الإذاعة المصرية صرح فيه بأنه عندما بدأ حياته الفنية لم يجد من يكتب القصة القصيرة لكي يتعلم منه، فقرر أن يخلق هذه القصة من العدم وأنه أول من كتبها في المنطقة العربية، مضيفا أن القصة ماتت من بعده لأن أجيال الشباب لم تستطع أن تقدم أية إضافة جديدة. وأضاف بأنه العربي الوحيد الذي اختارته لجنة جائزة جامعة “آيوا” الأدبية في أمريكا كعضو في لجنة التحكيم وهو الذي يرشح أدباء من كل أنحاء العالم للفوز بهذه الجائزة،

إن من يتابع تسجيلات يوسف إدريس المسموعة والمرئية في مختلف البرامج سيلحظ ويقف عند شيء هام يظهر جلياً للجميع ألا وهو مسحة الزهو بالنفس وتعظيم الذات وهذا لا غبار عليه إذا ما وضع الأنسان نفسه في المكانة المستحقة لها دون مبالغة و دون إنقاص مع إعطاء التقدير المناسب أيضاً لمن سبقوه من أجيال المبدعين ومن جيله المعاصر

عقب إذاعة البرنامج، نشرت الصفحة الأدبية بجريدة الأخبار رسالة من توفيق الحكيم بصفته رئيسا لاتحاد الكتاب موجهة إلى ثروت أباظة بصفته نائبا للرئيس يطلب الحكيم فيها إتخاذ إجراء ما ضد أحد أعضاء الاتحاد بتهمة تعظيم نفسه في أحد الأحاديث وسلب الآخرين بعض ما قدموه للحياة الأدبية، حيث إن هذا السلوك يتنافى مع حياتنا الأدبية الجديدة ولابد من محاسبة هذا العضو..(دون الإشارة إلى اسمه) مع أن جميع من في الوسط الثقافي يدرك أن العضو المقصود بالرسالة هو يوسف إدريس، وبعد أيام من النشر قام توفيق الحكيم بنشر رسالة أخرى في صحيفة الأخبار يقول فيها إنه لم يقصد نشر الرسالة الموجهة منه إلى ثروت أباظة أبداً وأن هذه الرسالة هى مما يتداوله الأعضاء داخلياً في أي نقابة مهنية وليست للنشر.

بعد هذه الأحداث خرج إبراهيم الورداني في جريدة الجمهورية وفي عموده اليومي “صواريخ” بكلمة عن الطاووس المختال يوسف إدريس

لم تنته القصة عند هذا الحد، إذ سافر يوسف إدريس إلى باريس بدعوة من اليونسكو لحضور ندوة عن التعليم وقال إن الدعوة موجهة إليه بصفته الشخصية، وأنه الكاتب العربي الوحيد الذي وجهت له الدعوة، ولكن بعد عودته أعلن أن سبب هجوم الحكيم عليه يرجع إلى رغبة الحكيم في السفر إلى باريس بدلا منه، كما أن ثروت أباظة يستخدم الحكيم ضده. بعدها تردد أن إدريس سيرفع دعوى قضائية ضد الحكيم وأباظة والورداني لتشهيرهم به.

وليس المجال هنا لتناول تفاصيل تلك الواقعة وما اندفع به يوسف إدريس من تصريحات في جريدة القبس الكويتية

ولكن الشاهد هنا إن يوسف إدريس كان يرى نفسه كما ذكر هو “خلق القصة من العدم” لا أحد ينكر فضل يوسف إدريس علي الأدب العربي وأدب القصة القصيرة بالتحديد وما حدد به هوية القصة وتفريغها من الحشو والإسهاب الغير مبرر وتناوله بالتحليل النفسي لشخصيات قصصه في براعة وموهبة عظيمة ولكن أيضاً هناك أجيال سبقت يوسف إدريس وأهتمت بالقصة وطورت كثيراً من جوانبها وهناك أيضاً من عباقرة الأدب ممن عاصر إدريس وساهموا جميعاً في تطوير القصة القصيرة في العصر الحديث أمثال الأستاذ يحيى حقي و محمد حسين هيكل والمنفلوطي وغيرهم

وهناك واقعة أخرى كثر الحديث عنها وهي الضجة التى أثارها يوسف إدريس احتجاجًا على فوز نجيب محفوظ بجائزة نوبل فى الآداب (أكتوبر 1988)، حيث وصفه الناقد الأستاذ رجاء النقاش ب «الغاضب الوحيد» وقد صرح يوسف إدريس بأنه الأحق بنيل تلك الجائزة وبأنه المرشح الأول لها، ولكنها ذهبت إلى نجيب لموقفه المؤيد للتطبيع مع إسرائيل، أى لأسباب سياسية وليست أدبية.

وهناك رواية تفيد بأن إحسان عبد القدوس منع يوسف إدريس من ارتكاب (حماقة) كانت من الوارد جدا أن تتحول إلي (فضيحة) ففي أول ظهور لنجيب محفوظ في جريدة (الأهرام) بعد ساعات من إعلان فوزه بجائزة نوبل كان يوسف إدريس موجودا بمكتبه ، ولم يستطع أن يسيطر على أعصابه ، وقرر أن (يعتدي) على الرجل الذي خطف منه الجائزة أو هكذا يعتقد ، وجرت السيدة نرمين القويسني سكرتيرة الأستاذ إحسان لتنبهه إلي ما يمكن أن يرتكبه يوسف إدريس بعد دقائق عندما يدخل نجيب محفوظ إلي مكتبه بالدور السادس ، وجرى إحسان بسرعة ليلحق يوسف وهو يصرخ (ده مجنون ويعملها)، ونجح إحسان في تهدئته وتهيئته لاستقبال نجيب ، وعندما سكت عن يوسف الغضب رفع سماعة التليفون واتصل بنجيب لتهنئته بالجائزة في اليوم التالي!

وهناك تفاصيل كثيرة حول هذه القضية وحول تصريحات أخري جريئة جاءت علي لسان يوسف إدريس حول أبداعه وما قدمه للقصة القصيرة والأدب بشكل عام

ولكن المؤكد بأن كل من كان يعرف يوسف إدريس عن قرب يصفه بأنه شخص أنفعالي، يقول ويفعل وينفذ ما يؤمن به ولو بدا هذا لآخرين ضربا من الجنون والتهور.

وفي النهاية دعونا نذكر الحقيقة

وصف الدكتور طه حسين الراحل يوسف إدريس بأنه ظاهرة جديدة في تاريخ الأدب العربي الحديث، إذ جمع بين الطب بتخصصاته الدقيقة والجافة، وبين الأدب وفن القصة القصيرة تحديدا، الذي عُد في تلك الفترة من أصعب الفنون الأدبية على الإطلاق، حتى أنه قال عنه: “كأن هذا الكاتب الشاب قد خلق ليكون قاصا”

#علي_عمر
#القصة_القصيرة
#يوسف_إدريس