كتب توفيق الحكيم يوماً خطاباً كان قد أعده مسبقاً ليُلقي علي من سيحضر من المشيعين لجثمانه يوم وفاته ونشر ذلك الخطاب في كتابه “عهد الشيطان” ولا أظن أن الحكيم كان يعني أن يُلقي الخطاب علي الناس يوم موته وإنما أستخدم فكره خطاب الرثاء هذه ليتحدث عن شيء أخر يريد أن يُوصله لمن يقرأ الكتاب او المقال فتحدث عن الفن والأدب وأشياء أخري
ومن قبله قام أحدهم بتسجيل خطاب بصوته علي أسطوانه “فونوغراف” وأوصي المشيعين أن يطلقونها عند قبره !
وهناك أخرون قد أوصوا بالغناء أو الرقص أو إلقاء موعظه علي حضور مشيعيهم
فقلت لنفسي لما لا أُسجِّل أنا الأخر رساله بصوتي وأُوصي أحداً بأن يبث بتلك الرساله علي الهواتف المحمولة لكل من حضر من المشيعين ومن لم يحضر منهم !
حاولت الانشغال عن الفكره ففيها “فأل سييء” ولكني فشلت فالفكرة جميله ولكن يبقي المحتوي هو ما يشغلني ، شعرت بأن شيء ما يدفعني لتسجيل تلك الرساله، ورحت أقول …. سأكون نفسي ….سأبدأ الأن في التسجيل …. أجل الأن ثلاثه …أثنين ….واحد
أعزائي الحضور
أشكركم علي حضوركم الْيَوْمَ وأعلم أن منكم من تكبد عناء السفر للوصول الي هنا وتأديه واجب العزاء ، أنا لا أريد أن أكون كئيباً في هذا اللحظه ، أري دموعاً تنهمر من أناس أحبهم أرجوكم لا تبكوا ؟ هونوا علي أنفسكم أيها السيدات والساده فإن الحياه ستمضي كما عودتنا وستعودون جميعاً الي حياتكم الطبيعية وسيمضي الأمر وكأن شيئاً لم يكن، وحتي من أقسم منكم بزيارتي كل أسبوع أو كل شهر صدقوني لن يفعل ، أنا لا ألوم أحد علي ذلك فالنسيان من أَجَل النعم وسنه من سَنَن الحياه الثابته !
وأذا كُنتُم تنتظرون مني أن أقص عليكم لحظه أن أنتقلت فيها الي العالم الأخر وما فيه وكيف كانت مشاعري وقدراتي في تلك اللحظه ، فلن أفعل !
(أري بعضكم ينظر الأن الي ساعته ، أعرف أنني قد أطلت عليكم في تلك الاستهلاله ولكني سأسرع الأن )
سأقص عليكم قصه وأنتم تعلمون كم كنت مغرماً بالقصص والأدب في حياتي ، وأقر بأنني لست بطل هذه القصه كما كان يعتقد من كان يقرأ منكم بعضاً مما كتبته فيظن ويربط بين أبطال القصص وبين كاتب السطور ، دعونا نبدأ الأن
“وقف الطفل أمام باب البيت في إنتظار أبيه والذي وعده بأن يُرِيه الْيَوْمَ شيئاً لم يراه الطفل من قبل سيذهب بِه الي مدينه الملاهي العملاقه وسيقضي الْيَوْمَ هناك بصحبته ، فراح الطفل يُمني نفسه بما سيراه في تلك المدينه ولم ينم ليلتها ولم يهدأ حتي وصل والده وأمسك بيده وذهب الي المدينه
كاد قلب الطفل يطير فرحاً وهو يعبر باب المدينه ألوان الألعاب زاهيه يميل أغلبها الي اللون الأحمر وبعض الألعاب عملاقه يحتاج الطفل الي أن يرفع رأسه عالياً لكي يري قمم تلك الألعاب !!
ورأي الطفل أطفالاً يجرون في كل اتجاه وهم يصرخون ويضحكون وهناك منهم من يضحك ويصرخ وهو معلق في أحدي الألعاب ، شعر الطفل بالحيره وقد فؤجي بذلك العدد الرهيب من الألعاب ولم يعد يعرف بأي منها يبدأ ، رأي والده لافته كبيره مكتوب عليها عرض فيلم للأطفال دون سن الخامسه فأشار الي الطفل بالذهاب هناك ولكن عيني الطفل كانتا معلقتين بلعبه أخري فأخذ يشد أبيه ويدفعه نحو تلك اللعبه وأستجاب الأب علي مضض بمطلبه وصعد الطفل اللعبه وانبهر بما رأه وسمعه من ضحك الاطفال ممن سبقوه للعب
شعر الطفل بالدوار بعد أن ركب اللعبه وانطلقت به يميناً وشمالاً تعلو به وتنزل والطفل يشعر بالرعب ويدعي المرح بل شعر أخيراً بالمرح وتجرأ فأخذ يصرخ كما يصرخ الاطفال من حوله واندفع الطفل يلعب ويتنقل بين الألعاب كلما سمع أحدهم يصرخ ويضحك، أندفع يجرب ويلعب وتمني أن لو أستقر علي أجمل لعبه في تلك المدينه فيقضي بها ما تبقي من الوقت قبل أن يحل الليل ولكنه أيضاً بين الحين والآخر كان ينظر عالياً الي اللعبة العملاقه وأخذ أبوه يعدو خلفه فهو يخاف عليه أن يضيع وسط هذا الزحام وتدافع الاطفال وذاب الطفل بينهم ولم يعد يراه أبوه فجلس الأب بعيدا ينظر في الوجوه ليتبين وجه أبنه ،
لا شيء يصف فرحه الطفل وهو يلعب بين أقرنائه وبينما هم الطفل لركوب اللعبه العملاقه شاهد أحد الاطفال يسقط من لعبه ويصطدم بالأرض وبكي الطفل لمنظر الدماء والموت وأنتابه الخوف ولكنه رأي الاطفال يندفعون من جديد ومنهم من جذب الطفل من ثيابه ودفعه دفعاً نحو اللعب من جديد ، وفي لحظه ما أخذ الطفل يتسأل عن أبيه ؟ أنتصف النهار حين جلس الطفل علي المقعد المخصص له في اللعبه العملاقه واندفعت المجموعه الأولي من الأطفال للعب وأخذ الطفل ينتظر أن يحين دور المجموعه الثانيه حيث كان الطفل بينهم وتسارعت دقات قلبه من الترقب والانتظار والشوق وهو يسمع ضحك وصراخ أطفال المجموعه الاولي وفجأه جاء رجل وأوقف اللعبه وأمسك بالطفل وأخرجه من اللعبه فلقد نفذ الوقت واتجه به خارج باب المدينه فعلي بكاء الطفل وأخذ ينظر من حوله فلم يجد ابيه وصرخ فلم يُسمع صوته ، خرج الطفل من المدينه قبل أن يهتدي الي أجمل لعبه فيها “
أنتهت القصه أيها السيدات والساده !
يمكنكم الأنصراف الآن !
الجمهورية أونلاين
الجمعة 21 ديسمبر 2018
https://www.gomhuriaonline.com/%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%86%D9%8A%D8%A7/317320.html
Leave a Reply