ثالث ثلاثة

ثالث ثلاثة

أوصى أن يُكتب على شاهد قبره العبارة التالية: ” كنت متعطشا لكل شيء ، ولكني لم أجد متعة في أي شيء “

إنه جي دى موبسان أشهر من كتب القصة القصيرة علي الصورة التي نراها الآن بل يمكننا القول ومن دون مبالغة لقد خلق موبسان القصة القصيرة التي نراها الآن

إنه ثالث ثلاثة ممن كان لهم أكبر الأثر في تغيير شكل القصة القصيرة في عالمنا العربي وهؤلاء الثلاثة هم أنطون تشيخوف وجي دى موبسان وأدجار آلان بو

كتب القصة القصيرة قبل موبسان كثيرون، غير أن موبسان خلق شيئاً جديداً و مختلفاً عما عرفه الناس عن القصة القصيرة
و رفضوا أن يعترفوا بها في بادئ الأمر كقصص قصيرة، و لكن الأيام ما لبثت أن غيرت هذا الرأي، حتى أن أحد كبار النقاد كتب بعد موت موباسان (إن القصة القصيرة هي موباسان ، و موباسان هو القصة القصيرة)

كان موباسان يؤمن بأن القصة القصيرة لا تحتاج إلى وقائع عظيمة كي يكتب عنها الأدباء ولا تحتاج أيضاً إلي خيال خارق يدهش القراء، بل يكفي فقط أن يتأمل الكاتب في الأحداث العادية و في حياة الأفراد العاديين وفي نفوسهم وما يعتمل فيها من افكار ومشاعر واحاسيس كي يخرج بأعظم القصص
ولعل رائعته “كتلة الشحم” تشهد علي هذا الإيمان

ولقد تناول في قصصه أناس من جميع الطبقات ( الارستقراطيون ، القساوسة ، وعمال المصانع والمزارع ، والبحارة ، وكبار السن ، والاطفال ) تناول تفاصيل حياتهم وكشف عن غباء البشر وخداعهم ، وأظهر النفاق الاجتماعي من دون تجميل وحارب رجال الدين بما كانوا يخفونه من مآربهم الشخصية خلف عباءة الدين ومظاهر الورع

و شُغف موبسان بحب النساء ووصف
في رواياته وقصصه الماركيزات ، والعاملات ، والبنات النحبفات ، والممتلئات ، والسيدات الناضجات ، والأمهات ذوات الخبرة ، و الشقراوات منهن والسمراوات . وأغرم بالجمال الأنثوي وفي عام ١٨٧٥ أصيب موبسان بالزهري و أعتزل الناس ، و لم يعتزل الكتابة و أصيب بالاكتئاب فغلب التشاؤم علي إنتاجه الأدبي في تلك الفترة ، وفي عام ١٨٨٧ أصدر لنا رائعته “الهورلا” علي شكل يوميات لشخص يعاني من اضطراب عقلي ما، يزعم البعض بأن ما جاء في تلك القصة كان علي لسان موبسان نفسه أو كأنه كان ينقل لنا أعراضاً يشعر هو بها، على أي حال ليس هناك دليل على هذا الزعم ، ولكن الثابت أن “الهورلا” لا تزال أحدى أعظم قصص موبسان سواء كان يكتب عن نفسه أو عن شخص أخر ففي تلك القصة ينتقل القارئ في هدوء ورشاقة إلي عقل ذلك الشخص المضطرب ، بل لقد صور لنا موبسان كيف يرى ذلك الشخص المضطرب العالم من حوله ؟ وكيف نرى نحن معشر القراء “العقلاء” تصرفات ذلك الشخص الغريب ؟ ذلك التناقض العجيب جعل تلك القصة خالدة واحدة من أعظم ما كتب موبسان

ويبدو أن هذا القصة كانت فأل شؤم علي موباسان ففي ديسمبر ١٨٩١ حاول موبسان الانتحار ولكن تم انقاذه في آخر لحظة ثم تم وضعه في مصحة للامراض النفسية في باريس وهناك فاضت روحه و لم يكن قد تجاوز الثالثة والأربعين من عمره

قال موباسان ذات يوم لصديق له مازحاً :
” لقد اقتحمت الأدب كالشهاب ، وسأغادره كالصاعقة “

غادر بالفعل سريعاً كالصاعقة ولكن أثاره لا تزال باقية خالدة

#علي_عمر
#القصة_القصيرة

Leave a Reply

Your email address will not be published.